أقدم عود صنعته عائلة النحّات

كريم عثمان حسن

إن هذا العود المصنوع في دمشق هو بلا شك الآلة الموسيقية الأروع والأقدم – على حد علمنا – المتبقية مما صنعته عائلة “النحّات”. حتى فترة قريبة، كانت الافتراضات تشير إلى أن الأخوين “روفان” و “عبده” النحات (الأخوان النحات) قاموا بتأسيس ورشة نجارة عائلة النحات في سنة 1880. ولم يتبين لنا فيما إذا كان يوسف النحات، الذي قام بصنع هذا العود، من أقرباء أو أسلاف الأخوين الشهيرين.

من ناحية الشكل الخارجي والبنية الهندسية، فإن هذه الآلة ليست مختلفة عن الأعواد الأخرى التي صنعها الأخوان. ولكن الشعيرات المصنوعة من خشب القيقب والجوز والماهوغاني تعبّر عن روعة الإتقان والصنعة المدهشة. لقد تم تجميع وحدة الشعيرات من مجموعة من القطع زاويّة الشكل والتي تدل على صنعة متقنة من النجارة، خصوصاً عندما نعلم بأن الآلة كانت تصنع يدوياً بالكامل في ذلك الوقت.

Nahat ribs

ويظهر جسم العود الباذخ وكأنه مصنوع بالكامل من هذه الشعيرات ولكنها في الحقيقة تم تجميعها حول “قصعة أخرى، وهذا الأمر يمكن ملاحظته من الشقوق، وهذا الظهر مكون من 17 ضلعاً. وعلى طول مركز كل واحد من هذه الأضلاع نلاحظ وجود قطعتين طوليتين على شكل أمواج من بنية زخارف الشعيرات تمتد من القمة إلى القاعدة. ويغطي نقطة التقاء الأضلاع في القاعدة زخارف ورقية من قشرة مصنوعة من خشب الجوز والعظام.

من الصعب معرفة ما إذا كان صدر العود مصنوعاً من أكثر من جزئين. وعلى الأغلب فإنه يضم أربعة قطع من خشب التنوب تم إلصاقها ببعضها بشكل طولي باستخدام الغراء، تماماً مثل الطريقة المتبعة في الأعواد الدمشقية فيما بعد. ويتم تثبيت صدر العود” بحافة أو حاشية مزخرفة تربطه بجسم العود، بينما تغطي الحواف الناتئة الوصلات التي تم إلصاقها بالغراء وتقوم بحماية الحواف الدقيقة.

nahat trim.jpg

ويقع مركز القمرة تقريباً على مسافة ثلث الأوتار التي تمتد بطول 63 سم، ويتم تثبيتها بالغراء على فتحة الصوت من الداخل، وتمثل بنية معقدة ومتشابكة على نحو مدهش. وتضم 7 زخارف أو حلي تم قصها بالمنشار من العظام أو القرون، ويتم تثبيتها معاً بقطع طولية نصف قطرية من الخشب والحلقات الخشبية الدائرية، محاطة جميعاً بحلقات أخرى من الزخارف. يذكر أنه في آلات العود التي تم صنعها فيما بعد كانت القمرة مكونة من جزئين كأقصى حد.

ويتم لصق الأنف أو الفرس بشكل مباشر على سطح العود وتكون مصنوعة في الغالب من خشب الجوز، ولها شكل مشابه لجميع الأعواد العربية المصنوعة في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وكانت آلات العود في ذلك الوقت مزودة بـالرقمة، وكان الواقي يوضع بحيث يشكل زاوية لتناسب زاوية الريشة أثناء العزف.

Nahat bridge.jpg

ويتصل زند العود مع جسم العود بمسافة تساوي ثلثي طول الأوتار، وتكون في العادة متصلة بوتد خشبي مع الكتلة الخشبية من الداخل. وفي مكان اتصال “الصدر ” بزند العود “neck” نجد حلية/زخارف من العظم تشبه وصلة الشعيرات في القاعدة، ولكنها أصغر بشكل طفيف وتكون مهمتها في الكثير من آلات العود أن تدل على نهاية زند العود، ويشار إليها غالباً باللوزة . وكما هو الحال في الآلات السورية والمصرية القديمة، فإن حجمها أصغر من الموديلات التي ظهرت لاحقاً في القرن العشرين.

 

يكون زند العود عادةً شبه دائري يتم تثبيت الوجه الامامي لزند العود عليه بواسطة شعيرات من الخشب. وتحتوي علبة المفاتيح أو البنجق المقوسة والمزينة على 12 مفتاح مصنوعة من العظام على شكل عين لكي تبعد الأذى، وهو اعتقاد شائع في المنطقة. كما توجد على الآلة بقايا من أوتار كانت متوفرة على العود الماضي.

Donaldson pegbox

وتظهر الرقمة بأن الآلة قد استخدمت بشكل كبير، وهو ما يتعارض مع فرضية أن الآلة كانت مصممة لأغراض الزينة. وعادةً ما يفضل العازفون الآلات الموسيقية بسيطة الصنع لأنه الصوت فيها يكون أفضل حيث أن الزخارف والزينة المبالغ فيها قد تؤثر على جودة الصوت والموسيقى.

نرجو أن تؤدي الدراسات والتحقيقات المستقبلية إلى مزيد من النتائج حول هذه الآلة الاستثنائية. هذه الآلة موجودة لدى الكلية الملكية للموسيقى حيث يجري العمل على مشروع ترميم لها. للاطلاع على المزيد عن تاريخ هذه الآلة، أنقر هنا.

 

Nahat peg

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *